اسمي مها رديني العبد الله، أبلغ من العمر 38 عامًا، من قرية حوايج بومسعة، التابعة لمنطقة الكسرة (في ريف دير الزور)، حيث أُقيم حاليًا.
بصفتي مديرة مدرسة، أبدأ نهاري بفتح المدرسة وتشغيل المدافئ في صفوف الطلاب. بعد ذلك، أوزّع المعلمين على الحصص، وأتفقّد أوضاع الطلاب، وتسيير أمور المدرسة. يبدأ الدوام من الساعة الثامنة صباحًا حتى الثانية عشرة والنصف ظهرًا. كما أتابع حالات الطلاب الصحية، ونقوم باستبدال الحصص الترفيهية، مثل الرياضة والرسم، حسب الحاجة.
دور المرأة في التعليم رسالةّ. فالمرأة هي نصف المجتمع، وتربّي النصف الآخر. في منطقتنا، تتولى النساء تعليم التلاميذ وتكوين جيل واعٍ. تحدّت المرأة الظروف الصعبة وتهديدات تنظيم داعش للتعليم الذي سعى إلى منع التعليم. لكننا تحديناه، وبعد سقوط داعش، قمنا بترميم المدارس بأنفسنا.
المرأة عندنا تعمل في الزراعة، وتربّي الأطفال، وتساهم في كلّ مجالات الحياة، فهي اليد العاملة الأساسية. في منطقة الكسرة وحدها، لدينا مجمّع يضم ألف معلم، 70% منهم من النساء. نحن نعمل كثيرًا، وسنواصل العمل بإذن الله إلى ما لا نهاية.
قبل سقوط النظام، كنا نعمل كمعلّمات، لكننا كنّا نخشى الذهاب إلى المناطق التابعة له، لأننا من شمال وشرق سوريا. لكن بعد المرحلة الانتقالية وسقوط النظام اليوم، بدأت المرأة في الازدهار من جديد: عادت تحلم، وتكمل تعليمها في الجامعات.
أنا ميسون لكن اسمي سارة
06 أيار 2025
في السابق، لم تكن المرأة قادرة على مواصلة دراستها، أما اليوم، فحتى إن كانت أمًا لأربعة أو خمسة أطفال، فهي تطمح لإكمال تعليمها. أغلب المعلّمات لدينا التحقن في الجامعات، وبدأن الدراسة لتطوير أنفسهن. بعضهن كنّ قد وصلن إلى السنة الثانية أو الثالثة، واليوم يُكملن ما بدأن به. صارت هناك مساحة أكبر من الحرية، والوضع بات أفضل بكثير بعد سقوط النظام.
بعد أن أنهيت دراستي المدرسية، تأهّلت للعمل كمعلّمة، وكان ذلك في عام 2008، في ظلّ النظام. عُيّنت في مدارس حكومية، لكن وفقًا للقانون، كان عليّ أن أُعيّن في مكان بعيد عن منطقتي. ذهبت إلى منطقة تُدعى "الجزرة"، تبعد ساعة عن الكسرة حيث أعيش، وكان ذلك مرهقًا جدًا بسبب صعوبة المواصلات. ومع ذلك، كنت أحبّ مهنة التعليم.
ثم جاء احتلال داعش، ومنعونا تمامًا من التعليم، وأُغلقت المدارس. مرّت سنة وسنتان بلا تعليم، وكبر الأطفال من دون أن يدخلوا المدارس. عندها، اجتمعت مع بعض الزميلات، وقلنا: ما رأيكن أن نُعلّم الأطفال سرًّا في البيوت؟ كي لا يرانا عناصر داعش. هكذا بدأنا بتنظيم حلقات تعليمية بسيطة، لأنّ هذا الجيل كان يكبر بلا علم.
أحضرنا سبورة وأقلامًا، وبدأنا تعليم الأطفال خفية. لكن شيئًا فشيئًا، ازداد عدد الطلاب، فانتبه إلينا بعض عناصر داعش. جاءوا إلى منزلي، وطلبوا مني الحضور إلى أحد مقرّاتهم الخاصة. وإن لم أفعل، هددوني بأن يأخذوني بالقوة.
في اليوم التالي، ذهبت إليهم. استقبلني أحد المسؤولين، وطلب مني التوقيع على تعهّد خطي بأنه إن كرّرت التعليم سرًا، فسأُسجن، وقد أُعاقب. لأنهم أرادوا أن يُدرَّس الأطفال فكرهم فقط. فكرهم الذي، بدل أن نتحدث فيه عن وردة، يقدّم للطفل أمثلة عن طلقات وقنابل، ويشرح له كيف يفجّر نفسه واستشهاده، حتى لو كان طفلًا. لم أكن مقتنعة بذلك. انزعجوا من أنني أُعلّم الأطفال القراءة والكتابة، وأجبروني على توقيع التعهّد. خفت، وتوقفت عن التدريس بعدها.
إحدى زميلاتي، اسمها نرمين، كانت مهندسة مدنية. لم تستجب لهم، وأعادت فتح التعليم السرّي. اعتُقلت، وكانت أمًا لطفلين. لا أنساها حتى اليوم. كانت امرأة قوّية فعلًا، وقد تمّ إعدامها... قُطع رأسها. ما زلت حزينة عليها حتى الآن، لأنها كانت فعلًا شجاعة جدًا.
المرأة عندنا تعمل في الزراعة، وتربّي الأطفال، وتساهم في كلّ مجالات الحياة، فهي اليد العاملة الأساسية. في منطقة الكسرة وحدها، لدينا مجمّع يضم ألف معلم، 70% منهم من النساء.
بعد سقوط داعش، ووصول قوات سوريا الديمقراطية، كانت البشارة، وتغيّر كلّ شيء. عندما دخلوا، كانت النساء في المقدّمة، مقاتلات، وتغلبن على داعش. دعمننا، وشجّعونا على العودة إلى العمل، والخروج من ذلك الجو الكئيب. فعلاً، عادت الحياة، وعُدنا إلى المدارس.
لكن المدارس كانت قد تحوّلت إلى ثكنات عسكرية لداعش. بلا أبواب، ولا نوافذ، ولا مقاعد. بدأنا، نحن النساء، ومعنا المعلمون، نُصلح ما استطعنا بأيدينا، من دون أجر أو مقابل. فقط من أجل أولادنا. وبعد نحو عام، جاءت منظمة إنسانية، وساعدتنا (مشكورة) في إعادة بناء المدرسة وتأهيلها، كما رأيتم في الفيديو.
ديما موسى: بعد سقوط النظام... أريد أن أظلّ ناشطةً سياسية
06 حزيران 2025
واجهتنا صعوبات كثيرة، أوّلها إعادة بناء المدرسة. فالمنطقة كانت قد خرجت من تحت سيطرة داعش، مخلّفة وراءها دمارًا واسعًا. شكلنا مجموعات صغيرة، وبدأنا بترميم المدارس واحدة تلو الأخرى، لكن الترميم كان عشوائيًا، لا يفي بالغرض. ومع ذلك، بذلنا جهدنا لنوفّر مكانًا آمنًا للطلاب، وبالطبع، ساعدنا الأهالي كثيرًا.
من أبرز التحديات التي واجهناها كانت مشكلة أعمار الطلاب. فبعد سبع سنوات من انقطاع التعليم، أصبح الطالب الذي من المفترض أن يكون في الصف الأوّل، وعمره سبع سنوات، في عمر الثانية عشرة أو الرابعة عشرة. فكانت المهمة صعبة، وكان علينا أن نعيد تأهيلهم ليعودوا إلى مقاعد الدراسة.
وكان لدينا أيضًا مشكلة النازحين المُقيمين في الخيام، لديهم أطفال يعانون من حالات نفسية صعبة جدًا. حاولنا قدر الإمكان التأقلم معهم وتعويدهم على أجواء المدرسة. كانوا يعيشون فقدان ذويهم، ويعانون من غياب مكان آمن. لذلك، بذلنا جهدنا لمساعدتهم على الاندماج في التعليم قدر المستطاع، إلى أن تدخلت المنظمات الإنسانية مشكورة، وساعدتنا في تجهيز المدرسة، من خلال توفير مكان آمن، وسبورة، ومقاعد للطلاب، وتأهيل المدرسة بشكل كامل.